السلام عليكم
آنستي "أمل" تحياتي وسلامي
إن موضوعكِ شيّق ومهم للغاية و يسلّم ايديكِ
ويعطيكِ العافية.
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه
والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين...
أما بعد:-
الناس منذ خلقهم الله وهم مختلفوا الطبائع والرغبات والميول. روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال:-"الناس معادن كمعادن الفضة والذهب, خيارهم في الجاهلية خيارهم
في الإسلام إذا فقهوا, والأرواح جنودٌ مجندةٌ, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف".
وعن أبي موسى الأشعري أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:-"إن الله خلق آدم من قبضة
قبضها من جميع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض, فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين
ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب" .
وتمثل بعض الشعراء بهذا المعنى, فقال:-
الناس كالأرض ومنها هُُمُ *** فمن خَشنِ الطبع ومن ليِّنِ
فجنـدلٌ تدمـى بـه أرجـلٌ *** وإثـمدٌ يـُوضـع في الأعـينِ
ويُعلم بداهةً أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم. فما يلائم هذا لا يناسب ذاك،
وما يحسُنُ مع هذا لا يجمل مع غيره. لذا قيل:-(خاطبوا الناس على قدر عقولهم ).
فكان شأنه صلى الله عليه وآله وسلم في تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل
معهم وينزل الناس منازلهم ومنها توزيعه صلى الله عليه وآله وسلم بعض أموال الغنائم
والفيء على أناسٍ دون أناس.
الإنسان كما هو معلومٌ مكونٌ من عدة قضايا ,فهو ليس آلةً من الآلات, وإنما هو إنسانٌ بروحه
وجسمه وعقله ومشاعره وهو محتاجٌ لتغذية هذه الأمور كلها .وبعض الناس يخطئون عندما
يتعاملون مع الإنسان في الجانب الدعوي مثلاً: إذ يتعاملون مع الفكر فقط أو الفعل فقط
دون أن يهتموا بمشاعر الإنسان الذي يتعاملون معه. كأصحاب المصانع الذين يتعاملون مع
الجسم:- كم ينتج ؟ كم ساعة يعمل ؟, ويهملون جانب الفكر وجانب العقل وجانب المشاعر.
كثيرٌ من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا التعامل مع الإنسان, ولكن لابد من التركيز
عليها كاملةً حتى يكون التعامل مع الإنسان شاملاً ومؤثراً. هذا التعامل الذي أكتب عنه
يختلف الأثر الناتج عنه بحسب محتوى الكلام, أو طريقة الكلام, أو السلوك المصاحب
للكلام, فقد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أن هذا الإنسان يقوله من قلــــــبه
وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه . شخصٌ يقــــــــــول:-
جزاك الله خيراً. وثانٍ يقول: الله يجزيك الخير . وثالثٌ يقول:- جزاك الله خيراً.
فستشعر أن الثاني والثالث يقولان الكلمة من قلبيهما, وهذا يحتاج إلى تدريبٍ
وإلى ممارسةٍ, فإنسان يكلمك وهو ينظر إليك فـهو يحترمك ويقـــــدرك فهذا
يختلف عن إنسانٍ يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر حتى
إذا سكت عن الحوار قال لك :- تفضل أكمل وهو ينظر إلى الأرض مثلاً.
إن هذا غير مهتمٍ بك.
يقول المؤلف دايل كارنيجي:-"من هواياتي أن اصطاد السمك وبمقدوري أن أجعل
الطُعم الذي أثبته في السنارة أفخر أنواع الأطعمة لكني أفضل استعمالي طعوم
الديدان على الدوام, ذلك أنني لا أخضع في انتقاء الطعوم إلى رغبتي الخاصــــة
فالسمك هو الذي سيلتهم الطُعم... وهو يفضل الديدان فإذا أردت اصطيـــــاده
قدَّمت له مايرغب فيه .
والآن . لماذا لا نجرب الطُعُومَ مع الناس ؟
لقد سئل "لويد جورج" السياسي البريطاني الداهية, عما أبقاه في دفَّة الحكم
مع أن معاصريه من رجال الدول الأوربية الأخرى لم يستطيعوا الصمود مثله فقال:-
( إنني أُلائم بين ما أضعه في السنارة وبين نوع السمك ).
والواقع أن "الطُعم" هذا مهمٌ للغاية... ذلك أن علاقتك مع الآخرين تُهمهم أيضاً
بقدر ما تهمك أنت, فحين تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيونهم, وتعبر عما في
نفسك من زاويتهم وبمعنى آخر أبدِ لهم اهتمامك بهم , أكثر من اهتمامك
بمصلحتك الشخصية, اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلــــوه عن
طريق اتخاذ الموقف من جانبهم " .
حين تبدأ كلامك مع رجلٍ بأن تقول له: (( أنت مخطئ )) أو(( اسمع يا هذا:-
سأثبت بطلان ما تقول))، أو باللهجة العامية: ((ما عندك سالفـــــــــــة ))
أتدري أنك في تلك اللحظة تعني:- أنك أيها الرجل تعوزك براعتي و ينقصك
ذكائي، قف أمامي ذليلاً لكي أدلك على الطريق الذي بلغه ذهني المتوقد
وحكمتي الأصيلة؟ هذا هو المعنى بالضبط... فهل تقبل بأن يوجه إليك
أحدٌ مثل هذا القول ؟ كلا طبعاً . إذن, فلماذا توجهه إلى الآخرين ؟ .
قال اللورد "شستر فيلد" في رسالته إلى ولده: (( يابني... كُن أحكم الناس
إذا استطعت، ولكن لا تحاول أن تقول لهم ذلك )). فلماذا يسارع الواحد منا
بنشر التأكيد والجزم وحتى في أمورٍ غامضةٍ لمجرد الادعاء بالعلم أو مناكفة
الغير، أفتظن أن قولك:- (( أنت مخطئ )) سيوصلك إلى نتيجةٍ مع من تحدثه
بنفس القدر الذي يوصلك إليه قولك:- (( قد أكون أنا مخطئاً )) فلنفتش عن
الحقيقة. إن إقرارك باحتمال أن قولك غير مصيب لا يُضعف موقفك كما قد
يُخيلُ إليك، فالسامعون يتأثرون بك وبنزاهتك وحبك للإنصاف ، أما من قابلته
مباشرة بتخطئته فيصعب عليك إقناعه بالخطأ بعد ذلك, فهذه طبيعة النفس
البشرية فهي تتأثر انعكاساً . فاحترم آراء الغير مهما كانت وصغرت, يحبك
الناس ويتأثرون بشخصك وأكبر دليلٍ على ذلك صبره صلى الله عليه وآله
وسلم على جفاء الأعراب حين يخاطبوه, يدخل الرجل منهم مغضباً ويخرج
وأسارير الرضا على وجهه.
الناس يحبون من يُصحح أخطائهم دون جرح مشاعرهم:-
ويُضربُ مثلٌ في ذلك في أحد الكتب:- أن شخصاً ألقى خطاباً ( محاضرةً )
في عددٍ كبيرٍ، ولكنها كانت طويلةٌ وفيها تفصيلٌ، فملّ الناس, ولما عــــاد
المحاضر إلى منزله سأل زوجته, فقال:- ما رأيكِ في المحاضـــــــــرة ؟
قالت:- هذا الموضوع يصلح مقالةً رصيفةً في مجلةٍ علميةٍ متخصصةٍ.
وقد فهم المحاضر من كلام زوجته أن الموضوع لا يصلح للمحاضرة.
فإياك وقول:- أنت لا تصلح لكذا ، أو أنت تصلح لغير ذلك .
وفي النهاية أختاه إن كنت مخطئاً في الموضوع فعذراً.
وشكراً.